حتى نفهم لماذا تبدو السماء زرقاء اللون فلا بد من معرفة مكونات الضوء القادم من الشمس، كما ينبغي علينا معرفة آلية الرؤية في العين البشرية.
يتكون الضوء القادم من الشمس من جزءٍ مرئي وآخر غير مرئي، ويتكون الضوء المرئي من مجموعة من الألوان تسمى ألوان الطيف أو ألوان قوس قزح وقد استخدم إسحق نيوتن الموشور لإظهار هذه الألوان، و تتميز ألوان الطيف باختلافها في طول الموجة، حيث يتكون الجزء المرئي من الأشعة التي تتراوح بين الضوء الأحمر الذي يبلغ طول موجته (720) نانومتر وحتى الضوء البنفسجي الذي يبلغ طول موجته (380) نانومتر (كل واحد نانومتر يعادل جزءاً من مليارٍ من المتر)، وبينهما يوجد البرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي.
أما بالنسبة للعين البشرية فتملك الشبكية ثلاث مستقبلات للضوء وتستجيب بشكل أكبر لأطوال موجات الضوء الأحمر والأخضر والأزرق لتجعلنا نرى الألوان.
تأثير تندال (Tyndall Effect):
كانت الخطوة الأولى لتفسير لون السماء الأزرق من قبل «جون تندال-Jhon Tyndall» عام (1859) حيث اكتشف أن مرور الضوء خلال سائلٍ نقي يحوي جزيئاتٍ صغيرة معلقةً يؤدي لجعل الأمواج الضوئية الزرقاء القصيرة تتبعثر بشكلٍ أكبر مقارنة بالحمراء، ويمكن ملاحظة ذلك بإطلاق حزمة ضوئية بيضاء خلال قارورة من الماء تحوي القليل من الحليب أو الصابون الممزوج معه. تُعرف هذه الظاهرة عموماً بـ(تأثير تندال) ولكنها شائعة عند الفيزيائيين باسم بعثرة ريليه (Rayleigh-Scattering) وذلك بعد أن درسها Lord Rayleigh بتفصيل أكبر بعد عدة أعوام لاحقة، وقد وضح أن كمية الضوء المُتبعثر تتناسب عكساً مع القوة الرابعة لطول الموجة، وهذا يقود إلى أن الضوء الأزرق يتبعثر بشكل أكبر من الضوء الأحمر بمُعامل قدره عشر مرات تقريباً (7004/4004=~10).
من المسؤول عن بعثرة الضوء الغبار أم الجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي؟
لقد فكر تندال وريليه أن لون السماء الأزرق يجب أن يكون ناتجاً عن الجسيمات الصغيرة من الغبار وبخار الماء الموجودة في الغلاف الجوي، وهذا ما يعتقده خطئاً العديد من الناس حالياً.
لاحظ العلماء أنه في حال كانت هذه الفرضية صحيحة فإن لون السماء يجب أن يختلف في ظروف الرطوبة أو الضباب مقارنة بالحالة العادية، ولذلك افترضوا أن جزيئات الأكسيجين والنيتروجين الموجودة في الهواء كافية لإحداث تبعثر الضوء.
أخيرا وفي عام (1911) قام أنشتاين بترسيخ هذه الفكرة وقد قام باستخدام معادلات مفصلة لتبعثر الضوء عن الجزيئات وأثبت صحة ذلك بالتجربة.
إذاً في يوم ذي سماءٍ صافيةٍ خالية من الغيوم تبدو السماء بلون أزرق لأن الجزيئات الموجودة في الهواء تبعثر الضوء الأزرق القادم من الشمس بشكل أكبر من بعثرة الضوء الأحمر.
هنا يبرز سؤال مهم وهو: بما أن الموجات الأقصر تتبعثر بشكل أكبر فإن موجات الضوء البنفسجي تتبعثر بشكل أكبر لأن طول موجتها أقصر من الأزرق وبالتالي لماذا لا نرى السماء بلون بنفسجي بدلا من الأزرق؟
إن الأشعة الصادرة عن الشمس ليست ثابتة في جميع أطوال موجاتها ويُمتص جزء منها من قبل الغلاف الجوي للأرض لذلك فهناك أشعة بنفسجية أقل في الضوء كما أن أعيننا أقل حساسية للضوء البنفسجي وهذا جزء من الإجابة عن السؤال.
إن الجزء المُكمل من الإجابة يعود لفكرة كيف يعمل البصر عند الإنسان.
يوجد في شبكية الإنسان ثلاث مستقبلات ضوئية تسمى (المخاريط) وتسمى بالتحديد مخاريط الأحمر والأزرق والأخضر وذلك لأنها تستجيب بشكل أكبر للضوء عند هذه الأطوال الموجية، وعندما تتحفز هذه المستقبلات بنسب مختلفة فإن نظام الرؤية يكون الألوان التي نراها.
عندما ننظر إلى السماء فإن المخروط الأحمر يستجيب للكميات الصغيرة من الضوء الأحمر المتبعثر لكنه يستجيب بشكل أقل لأطوال موجات البرتقالي والأصفر، أما المخروط الأخضر فيستجيب للضوء الأصفر والأخضر الأكثر تبعثراً والأخضر المزرق الذي يتبعثر بشكل أكبر, في حين أن المخروط الأزرق يتحفز بالألوان ذات أطوال الموجة القريبة من اللون الأزرق.
إن التأثير الشبكي لهذه الآلية تكمن في أن المخاريط الحمراء والخضراء تتحفز بشكل متساو تقريبا بضوء السماء, بينما يتحفز المخروط الأزرق بشكل أكبر مما يسبب رؤية السماء بلون أزرق.
لون غروب الشمس
يبدو لون غروب الشمس أصفراً عندما يكون الهواء نقياً وذلك لأن ضوء الشمس يكون قد اخترق مسافة طويلة من الهواء ويكون جزء من الضوء الأزرق قد تبعثر بعيداً.
أما في حالة كان الهواء ملوثاً بالجسيمات الصغيرة فإن الغروب سيبدو أكثر احمراراً.
يبدو غروب الشمس خلال البحر بلون برتقالي وذلك يعود لوجود جزيئات من الملح في الهواء وهي تعتبر مبعثرات فعالة للضوء.
السديم الأزرق والقمر الأزرق؟
تبدو الغيوم بلون أبيض لأنها مكونة من جسيمات كبيرة تقوم ببعثرة جميع الموجات الضوئية بشكل متساوٍ فنراها بلون أبيض.
أحياناً نلاحظ في بعض المناطق الجبلية وجود سديم أزرق وهذا ناتج عن تفاعل إيروزولات التربينات (جزيئات صغيرة من مادة التربين) الناتجة عن الغطاء النباتي مع الأوزون الموجود في الغلاف الجوي مما يؤدي لتشكيل جسيمات صغيرة حوالي (200) نانومتر تقوم ببعثرة اللون الأزرق.
أما بالنسبة للقمر الأزرق فهو ينتج أحيانا نتيجة الانبعاثات الناتجة عن حرائق الغابات وانفجار البراكين حيث تطلق جسيمات من (500-800) نانومتر وتقوم ببعثرة الضوء لتسبب تلون القمر بصبغة زرقاء.
لماذا تظهر سماء كوكب المريخ بلون أحمر؟
تظهر الصور الفضائية تلون سماء المريخ باللون الأحمر وهذا عائد بشكل أساسي إلى الغبار الغني بالحديد ذي اللون الأحمر الذي ينتشر بسبب العواصف الغبارية التي تحصل من وقت لآخر.
اعداد: محمد مهنا
مُراجعة : Bassam Abu Gazaleh
ولكي نفهم جيدا لماذا تبدو السماء زرقاء ماعلينا سوى مشاهدة هاذا الفيديو .